عداد متصفحي المدونة

الجمعة، فبراير 13، 2009

تجربتي مع الديلزة

أولى بداياتي المرضية ظهرت بعد سبعة أشهر تقريبا ، حين أستدعيت مرة ثانية للخدمة العسكرية ( إعادة التجنيد ) سنة 1998/1999 و كانت مهمتنا الأساسية هي حراسة خط أنبوب الغاز الأورومتوسطي الذي يحمل الغاز إلى ايطاليا ، حيث كانت ظروف العمل صعبة جدا ، و التضاريس وعرة من صخور و ارتفاعات و انخفاضات و تساقط للأمطار في فصلي الشتاء و الخريف مع الوحل الكثير و مدة عمل كل فريق ، حين يأتي دوره ، تصل إلى عشر ساعات متتالية ، كما أن الماء الذي كنا نشربه ..كنا نجلبه في صهاريج من منطقة بعيدة جدا ، و مع قرب انتهاء كمية الماء تلك ، نلاحظ بها صديدا كثيرا. في تلك الفترة كنت أحس بأنني لست على ما يرام من فشل و ضغط ، فوجهت إلى المستشفى العسكري بديدوش مراد ( قسنطينة ) ..حيث أقمت هناك حوالي ثمانية ( 8 ) أيام في القسم المختص بأمراض الكلى و تبين في الأخير بأنني مصاب بالتهاب الكلى و بتعفن المجاري البولية ، و نتيجة لذلك تقرر تسريحي بنسبة عجز تقدر ب 30% غير منسوبة للخدمة . أدركت بعد ذلك أن الأبحاث الطبية الحديثة تقول بما مفاده بأن ذلك النوع من الالتهاب الكلوي ، يؤدي على المدى الطويل إلى العجز الكلوي النهائي ، و من ثم الإحالة على عملية الديلزة . عدت للحياة المدنية بصفة عادية و في يوم 2002.10.28 أحسست بفشل كبير و رغبة كبيرة في القيء ، تكاد تخرج معها أمعائي ..فتوجهت إلى أقرب مستوصف ، حيث تبين بعد الفحص أن الضغط الشرياني يبلغ 12/17 ، فتوجهت مباشرة إلى المستشفى و أقمت هناك يومين اثنين تحت المراقبة ، ووجهت بعد ذلك إلى المستشفى الجامعي ابن سينا في مدينة عنابة ، قسم أمراض الكلى ( حيث يوجد الطبيب تومي أحمد بغرض التربص ) ، حيث أخضعت أيضا للمتابعة و بعد حوالي أربعة عشرة يوما من الإقامة هناك تبين بأنني مصاب بالعجز الكلوي المزمن ، تطورا للالتهاب الكلوي سالف الذكر ، و عدت إلى ولايتي لأبدا عملية تصفية الدم ، بعد أن أجريت عملية في الذراع لهذا الغرض.

بالنسبة للديلزة و تجربتي معها :

الديلزة أو الدهلزة أو التصفية الدموية أو التنقية الدموية أو غسيل الكلى و هي كلها مصطلحات تؤدي نفس المعنى ، عملية ضرورية للبقاء على الحياة لأكبر مدة ، بفضل الله أولا ، ثم ابتكار جهاز التصفية ، و أصعب شيء فيها :

1 ) – الاقتناع بها في بداية المرض.

2 ) – بعد الدخول في الممارسة الفعلية لها ، تكمن الصعوبة في المحافظة على الحمية الضرورية و خصوصا الوزن و بدقة أكثر تناول السوائل و الماء على وجه التحديد.

فبالنسبة للنقطة الأولى ..يرجع سبب عدم الاقتناع إلى ما يسمعه المريض عن التصفية و جهازها ، بحيث أنا شخصيا كنت أتصور الجهاز وحشا يأكل العباد ، و لعلم المريض ، بأن هذا المرض سيغير مجرى حياته ، و عدم قبول فكرة المرض أصلا ، لكن ما أن يقتنع المريض بذلك العجز و يرضى بقضاء الله عز و جل ، حتى يبدأ في الديلزة ، بإجراء عملية بسيطة في الذراع تمكنه من ممارسة تلك العملية. و هنا نأتي للنقطة الثانية ..حيث أن المريض شيئا فشيئا يتعود على الوخز بالإبر، الذي يصبح أمرا عاديا ..و حتميا.

و ذلك كان حالي ..حيث رضيت بقضاء الله و حكمته و خصوصا أنني تعرفت على الكثير من المرضى السابقين و فيهم من مر على مرضه حوالي العشرين سنة ، و هم في صحة جيدة متأقلمون مع المرض و يحمدون الله ، على كل حال ، و يعيشون حياتهم بشكل عادي ، فقلت في نفسي هذا اختبار من الله و اختيار ، و أنا لست أحسن من هؤلاء في شيء ، فهم بشر مثلي .

و مع وجود طاقم طبي جيد تحت إشراف السيدة الطبيبة الفاضلة / قحفاز حسينة ..أم الجميع بلا منازع ، التي لها الفضل بعد الله في تحسن حالتي ، بفضل نصائحها و عنايتها الفائقة ، و التي لا أنسى لها كل ما فعلته معي و مع كل مريض و كل طالب نصيحة أو توجيه ، و أدعو الله أن يكثر من أمثالها و يوفقها و يسعدها في الدارين.

حيث كنت خلال العام الغول من مرضي تحت إشرافها المباشر ، في قسم الديلزة في مدينة تبسة وكان يعينها في عملها ذاك ثلة من أحسن و أمهر الممرضين في ذلك الوقت و الذين اختارتهم هي بعناية كبيرة ، فالممرض الواحد منهم حقيقة عندما يحضر ، ربما يغنيك عن الطبيب في كثير من الأحيان ، و إذا حضرت الطبيبة قحفاز حسينة ، فالخير كله و البركة ، أطال الله في عمرها في الخير و الصحة و الرفاه ، و تحية إكبار و إجلال لها و لأمثالها.

و بعد عام من التصفية الدموية في مدينة تبسة ، حولت و زملائي المرضى إلى مدينة الشريعة ، حيث نقطن ، بعد افتتاح قسم جديد للديلزة ، و الذي يعد مكسبا للمدينة و ما جاورها ، و هذا بفضل المخلصين لهذا الوطن الغالي ، و كان هذا القسم الجديد للديلزة تحت إشراف الطبيب ..السيد ..المحترم تومي أحمد و الطبيب الودود ..المبتسم عون الله مسعود، اللذان لم يبخلا علينا بالتوجيه اللازم ، و أديا رسالتهما على أكمل وجه ممكن.

و خلفهما إلى اليوم كل من الطبيب ..الرائع فاري نبيل و الطبيب ..الودود عبد المالك نبيل ، اللذان بدورها مازالا يقومان بعملهما على أحسن وجه .

بالنسبة لي كمريض ..رغم المستوى الثقافي الجامعي ، وجدت نفسي أمام حمية يجب أن تتبع مدى الحياة ، حتى الموت ، بمشيئة الله ، أو زرع كلية ، و رغم علمي بتلك الحمية ، و الدليل هذا الموقع الذي بين أيديكم ، إلا أنني وجدت صعوبة في إتباعها بدقة و تطبيقها بشكل صارم ، و خصوصا في التحكم في الوزن من خلال الإقلال من شرب السوائل و بالأخص الماء ، و المعضلة الكبرى هي التعود على تناول الماء البارد و أكل حتى الجليد ..حتى في فصل الشتاء و الخريف ، لأني حينها أحس بنشوة عظيمة ، و أصبح تناول الماء البارد إدمانا حقيقيا ، رغم علمي و علم زملائي المرضى بخطورته ، على الأقل على المدى الطويل و المتوسط ، لكننا نحاول مع الوقت الإقلال من ذلك ، بكبح النفس قدر المستطاع ، و دعاء الله ، عز وجل ، و جربت شخصيا كل الطرق الممكنة و لكنني توصلت إلى نتيجة مفادها أن الحل يكمن في الإرادة الشخصية و ضبط النفس منذ اليوم الأول لعملية الديلزة ، ومحاولة شغل النفس بنشاطات معينة كالهوايات المختلفة ، و ممارسة نشاط أو عمل ما ، خارج البيت ، قدر الإمكان ، لنسيان الماء و شربه ، وهو أصعب تحدي .


نسأل الله التوفيق و السداد.

ليست هناك تعليقات: